• يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)( الروم: 30)
فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَى مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنَ الدِّينِ، مُسْتَقِيمِينَ عَلَى هُدَاهُ، مُلْتَزِمِينَ بِشَرِيعَتِهِ، مُحَافِظِينَ عَلَى فِطْرَةِ اللَّهِ وَصَنْعَتِهِ؛ الَّتِي خَلَقَ النَّاسَ عَلَيْهَا. فَإِنَّ الْفِطْرَةَ السَّلِيمَةَ تَدْعُو إِلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى سُنَنِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى)(النجم: 45)، وَخَصَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِخَصَائِصَ تُنَاسِبُ قُدْرَتَهُ، وَتُلَائِمُ عَمَلَهُ، وَتَنْسَجِمُ مَعَ دَوْرِهِ، لِيَقُومَ بِهِ عَلَى أَتَمِّ وَجْهٍ وَأَكْمَلِهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ)(النساء: 32 )، وَجَعَلَ الزَّوَاجَ بَيْنَهُمَا شِرْعَةً رَبَّانِيَّةً، وَفِطْرَةً إِنْسَانِيَّةً، وَآيَةً إِلَهِيَّةً، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا)(الروم: 21 ). أَيْ: خَلَقَ لَكُمْ مِنْ جِنْسِكُمُ الْبَشَرِيِّ إِنَاثًا يَكُنَّ لَكُمْ أَزْوَاجًا.
وَإِنَّ مُخَالَفَةَ هَذِهِ السُّنَّةِ الرَّبَّانِيَّةِ؛ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، وَتَغْرِيرِهِ بِالْإِنْسَانِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ» أَيْ: عَلَى دِينِهِمْ مُحَافِظِينَ، ومِنَ الْمَعَاصِي بَعِيدِينَ، «وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ». أَيْ: أَزَالُوهُمْ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ، وَالْأَخْلَاقِ الْقَوِيمَةِ، وَدَعَوْهُمْ إِلَى تَغْيِيرِ سُنَنِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إِبْلِيسَ: (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ)(النساء: 119).
• إِنَّ مِنْ وَاجِبِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ أَنْ يُعَزِّزُوا الْوَعْيَ لَدَى بَنَاتِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ؛ بِضَرُورَةِ اتِّبَاعِ سُنَنِ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ، الَّتِي فُطِرَ النَّاسُ عَلَيْهَا، وَرَفْضِ الْأَفْكَارِ الدَّخِيلَةِ الَّتِي لَا تَتَنَاسَبُ مَعَ تَعَالِيمِ دِينِنَا الْحَنِيفِ، وَعَادَاتِنَا الْأَصِيلَةِ، وَالتَّمَسُّكِ بِالْقُدْوَةِ الْحَسَنَةِ، وَالْأُسْوَةِ الطَّيِّبَةِ، وَالْأَعْرَافِ وَالتَّقَالِيدِ، وَقِيَمِ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ، فَيَنْشَأُ الِابْنُ عَلَى الرُّجُولَةِ وَقِيَمِهَا، الَّتِي يَتَعَلَّمُهَا مِنْ وَالِدِهِ وَمَجَالِسِ الرِّجَالِ، وَتَنْشَأُ الْبِنْتُ عَلَى الْقِيَمِ النَّبِيلَةِ الَّتِي تَتَنَاسَبُ مَعَ طَبِيعَتِهَا الْأُنْثَوِيَّةِ الْمَغْرُوسَةِ فِي فِطْرَتِهَا، لِيَقُومَ كُلٌّ مِنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ بِدَوْرِهِ فِي الْمُجْتَمَعِ فِي تَوَازُنٍ وَتَكَامُلٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)(النساء: 32 ).
** مقتطفات من خطبة الجمعة: 16 ذو الحجة 1443هـ، الموافق 15/07/2022.